05 June 2011

استراحة قصيرة


الأشقياء في هذا العالم هم أولائك الذين لا يعرفون طعم الرضى بما لديهم ، الساخطون دائما على كل شئ ينشدون الـ ( مستحيل - كمال ) في عالم محكوم عليه بالنقص الحتمي

من يبحثون دائما عن مايجب أن يكون ولا يعنيهم ماهو كائن ، حياتهم سلسلة لا منتهيه من الأسئلة . . ماذا لو ؟ ولماذا لم ؟

قد يصبح هؤلاء عباقرة أصحاب اكتشافات عظيمة في الحياة و يصبحون نقمة على كل من يقترب منهم ، ان أحبوهم وحب هؤلاء عرض زواله بمرور الوقت قائم

فلا طاقة لأحد بشخص لا يعرف الحمد بحياته حقيقة ولا ينظر ابدا لشئ بعين الرضا

يضجر حتى من نفسه فلا يرى لها فضل ولا يقيم لها عدل فميزان عدله مبلغه عصي

تقيم أمامه الحقائق نحن بشر ، كفاك نقدا وتقييما ، ماذا ستجني من كل هذا ؟

انظر الى هذه اللوحه كم هي ساحره تأسر ناظريك

إنظري الى موتة صاحبها !؟ ماقيمة الشئ اذا لم يعود على صاحبه بنفع حقيقي

ماقيمة الحياة كلها وهي لغز لم يصل أحد بعد ليقين بحقه

كل من مروا به أقصى ما وصلوا اليه احتمال ـ ربما ـ وقد يكون !؟

كيف لنا أن نسعد

ونحن لا نعرف

الجهل في حد ذاته منغص ، عدو للطمأنينه لا تتحقق بوجوده

انهم فقط يا عزيزتي يقنعون أنفسهم بشئ فيصدقونه فيتوهمون الراحه

وقد يستريح الانسان فقط لأنه ضجر من التعب

ألا يجب أن يكون اليقين قويا بدرجة تجبر العقول على الايمان به وتصديقه

أينكر أحد وجود الشمس !؟

كلا

هي يقين اذا

لماذا اذا اختلف الناس على تفسير لغز الحياه

ألا يعني ذلك أنه لم يصل أحد مطلقا الى يقين بحقها !؟

فسرتها الاديان واختلفت

فسرها العلم وكفرذووه الدين

كلها محاولات لم تكتمل بعد

أقصور فينا هو أم فى التفسير الذي لم يرقى الى اليقين بعد !؟

ولماذا نبحث عن التفسير

هل نضيع عمرنا فى البحث فننسى أن نعيش ؟

بالله عليك كيف يستقيم العيش بمن لا يعرف ؟

ولماذا تعرف عش وفقط

أفراغ هو لديك أم بحث فقط عن المتاعب ، انت تضيع

. . .أنا أحـبـــ

تحتاج هي الأخرى الى بحث وتفسير !؟

. . . . .

اقترب مني

. . . .

:-*

:)

الآن دعني أخيرك

تحاول أن تعرف ولن تعرف

أم تحاول أن تعيش :)

. . .

.

الدوحة : 17-12-2010

مصر . . على البعد


هناك حساسية ما تصيب المتحدثين عن الشأن العام المصري لدي المصريين المغتربين عن بلادهم تتضخم في لحظات التوتر التي تشهدها الساحة

اتهامات و شكوك في صدق النوايا و الاهتمام فعلا بالشأن الداخلى وحسن تقديره ومراعاة أولوياته

منذ زمن بعيد كنت أكتفي وفقط بالمتابعة لما يجري حتى أن أنطقت الأحداث كل من فعل مثلى بداية من جريمة النظام الحاكم في مصر بقتل الشهيد ( خالد سعيد ) مرورا بهديتهم لمصر في رأس السنه بتفجير ( كنيسة القديسين ) وقتل ( سيد بلال ) تعذيبا على اثرها ، وليس أخيرا بـ مآت القتلى والمصابين في ثورة شباب مصر الطاهره التى فاجأتنا نحن قبل غيرنا بما حققته من إذاحة الهم الأثقل وقطع رأس الأفعي التى سممت حياتنا ماضيا وحاضرا و أوشكت أن تغتال حتى الحلم بغد أفضل لولا إيمان و إصرار وربما يأس البعض بالحياة ومنها

والبعض هنا كل الذين دفعوا الثمن حقيقة منا ، كل من تعرض فعلا أو عرض نفسه للأذي والاعتقال و التعذيب ، كل من هانت أمام عينه حياة ( هي ليست حياة ) ورأي الموت الذي ( ليس موتاً ) خير منها وأكرم

هؤلاء سواء كانوا شبابا أو رجالا هم بحق أبطال مصر الذين فتحوا أمام أعيننا باب الحلم دون أن ندفع نحن المتفرجون فاتورة مخاطرتهم التى أودت بحياة البعض منهم فمات بطلا كريما و عرضت من عاش منهم لبالغ الأذى وبالغ الفخر أيضا

من نادوا وبادروا بالثورة احتجاجا و غضبا على كل هذا الهوان الذي يمارس على شعب بأكمله ونزلوا الى الشوارع والميادين صارخين بغضب ضد الطغيان والظلم والقهر فطال صراخهم آذانا كاد أن يصيبها الصمم فما أن طالتها إذ بها تقابل بـ منطق هؤلاء المشتاقون الى الموت كفرا بحياة باتت عبـ ء ثقيل ضاغط علي قلوبهم فرأوا فى الثورة الخلاص دون أن يعوا من هؤلاء ومن أين أتوا لكنهم يدركون وكفي أنهم غاضبون. . أتوا ليعطوهم الفرصة فى الصراخ بأعلى صوت خلاصا من الهم المميت الذي يسمي حياة في ظل هذا العفن

أدرك جيدا وأنا الذي لم أرى التحرير إلا خاليا ولم أسمع طلقات الرصاص ولم أرى دماء الشهداء الطاهرة ولم تمر بجواري مدرعة تقطف زهرة شباب صديق وتسحقها على الأرض سحقاً ، أن كل من بادر بالخروج ودفع أو عرض نفسه لدفع الثمن الأغلى على الاطلاق لم ولن يتراجع حتى تتحقق كل أحلامه لبلده أو يموت دونها

أما من لم يؤمن بحقه في حياة كريمه ( لوطن ) وليس لفرد فيه كفرد

من يرى نفسه وفقط خانعة ذليلة وإن بدت له عزيزة شكلا ويرضى بذلك غاضا الطرف عن أوجاع ملايين غيره وآلام بلد كانت ذات يوما منارة للعالم لا يحزن لذلك ولا يغضب غضبة كرامه لأمور هي في نظرة شعارات تتلاشي أمام العيش العيش وفقط لا كيف ولا لماذا

سيظل هؤلاء يتأسفون على الجلاد رب الفساد الذين هم نتاجه وينظرون بمنتهي السطحية والأنانية والغباء لكل ماجرى ويجري في مصر و بلاد العرب الغاضبه سابقة ولاحقه

والحمد لله أن هؤلاء ليسوا فاعلين وأرجوا أن يظلوا كذلك مالم تمتد الي عقولهم أنوار الوعي

فليس من العدل أن يفسد هؤلاء ماضحى من أجله أنبل وأطهر من في مصر

ولهذا . . فمن الحتمي أن تشعل نار الثورة من جديد بيد صانعيها الأوائل لتتحقق وفورا مطالبهم التى تهاون فيها بشكل مريب المجلس الأعلى للقوات المسلحه وبدا وكأنه يتعامل كحاكم غافلا من أين تأتي شرعية حكمه وممن يأخذ وعلى خطي من يسير

الذين دفعوا الثمن هم أصحاب هذه الثورة وفقط وهم من يقررون ومن يقولون نريد

كما نادور بارادة

وكانت إرادتهم

09 October 2008

مــــــي


الظلال باتت أكثر انتشارا فأعطت قدرا من الحرية لسيرهما معا داخل الحديقة ولو أنها وإن لم تكن كذلك فستعبر اقدامهما الطرقات غير عابئة بتحري الظلال فهناك ظلال أهدأ وأطيب تداعب منطقتها النسمات الساحرة دونما انقطاع أو توقف موقعها قلبها المحب وقلبه السعيد .. أما سعادته فسرها لا يخفى عليه فمن هو ذاك الجاحد الحجري القلب الذي لا ينشرح له صدر وتبتسم له دنيا وتزغرد بقلبة أوتار السعادة وبجوارة مي
فمن هي مي ؟
إن قلنا عنه أنه مصر فهي نهر نيله المعطاء الساري والمتدفق في هدوئه البديع ومشيه الوئيد وخيره الوفير وأثره العظيم
وإن قلنا عنه أنه إنسان فهي قلبه الذي يضخ في أنحائه الحياة مع كل دقة ودفقه
وإن وصفناه ببستان فهي أجمل زهره في أجمل شجيرة في أجمل بقعة بأحلى بستان
وان كان أدبا فهي الشعر
وإن كان شعرا فهي أحلى قصائده
وإن كان قصيدة فهي أروع أبياتها جمالا وتعبيرا وحسا راقيا
وان كان بيتا فهي أرق لفظة وألطف كلمة
هي جوهر الجمال وكمال النقص بحياته
أما هو ....فهو مالم تكن هي.... فما هو إلا شجرة وافرة الظلال في بقعة من الأرض لا يمر بها إنسان أو هو كالزهرة الجميلة التى وضعت على قبر بدلا من أن تزين صدر عروس جميلة أو يستخلص منها عطرها الساحر
تناولت بخفة فراشة جميلة نجمة من سماء شجرة الياسمين الممتدة على السور حين سيرهما معا إلى جوارة تمنت لو قدمتها إليه وتمنى لو فعلت لكنها أخذت تداعب وريقاتها البيضاء بأصابعها الخمرية الصافية وبدت كمن تريد أن تهمس لها بشئ ما كمن تريد أن تبوح لها بأمر ما وتطلع إليها يرقب تلك الرقة وهذا التعبير الصامت الجميل ثم استوقفها قائلا
عندما كنت هناك كانت لدي صورة في الخيال وكنت أظن أن مابخيالي أجمل من الحقيقة وكان يداعبني الحلم فأعيش به باحساس متوهم وكنت أرى أن ذلك يسعدني لكني ماتخيلت أن الحقيقة أروع بكثير من الخيال وأنه مهما بلغت مبالغات الخيال ومهما طبعت على النفس من مسرات كاذبه فهى لا ترقى أبدا لمستوى الحقيقة حين تصير ملموسة ومشاهدة ومعاشة لحظة بلحظة وقد كنت يا مي أجمل طيف يداعب خيالي وقد كان لقاؤنا هذا واحدا من أحلى أحلامي لكني كنت واهم حين ظننت أن خيالى جميل فما من جمال كمثل طلعة محياك على مقربة من عين قلبي وما من حلاوة كمثل حلاوة الاحساس بقربك
كان يحدثها همسا وكأنه يحادث نفسه أو كأنه يريد ذلك ليتخلص من حيائة وخجلة وكانت كمن تحلق حوله فراشة ترقص على نغمات الهمس النسيمي
وكان صمتها وحزنها الذي يعاند تلك الفرحة الزاحفه كالشمس المشرقة على صفحة ماء بحيرة عذبة يقف أمامه كمحدث له بلغة لا يجيدها فهو يلتقط بعضا منه مفسرا بشك في الصحه ويجهل البعض حزينا على عجزه عن فهمه واستيعابه فأعاد أمامه ذلك شريط الذكريات الصامته التي جاهد بعناء فيها احساسه المتعب واستجدائه لليأس هروبا إلى راحته المميته في لحظات ضعفه الكثيرة وحزنه العميق
كان يحس أحيانا أنها تريده ألا يصمت فاليقل أحلى ماعنده وليجتهد في الوصول باختيار انسب واجمل وأطول الطرق وكان أحيانا ينساق لرغبتها رغما عنه وحينها تخفت الآلام ولربما سعدت بذلك أو استلذت به وكان هو من يعاني ألما من نوع خاص يجده حين يفكر بأنه يعطي ويعطي ويعطي دون أن ينال شيئا فتصيبة لعنة احساس بالاهانة كمن في بلاط الملكات يطلب ويستجدي ويقدم القرابين و تظن الجالسة على العرش أن في السماح له بالوقوف على الباب منتهى الرحمة أو هو عين العدل بل عين الكرم
الضباب تزيحة حرارة الشمس من أمامها لتوصل للأرض أشعة الضياء وطاقة الحياة لكن القمر لا يستطيع
ومي
هي الشمس التى لها قصة
.............

07 October 2008

معنى جديد


الاختلاف الجوهري بين البشر هو في هذا المحمول على الأعناق هذه المشكاة التي تضئ لنا الطريق
أو هو الأداة التي بها نتعرف على الأشياء ونستشعر المعاني فالانسان عقل أولا فكر ورؤى تشارك في صياغتها عوامل كثيرة أولاها قدراته التي يولد بها ثم طبعه المكتسب ممن حولة ومما حولة أي من بيئته ومجتمعه
هذا هو الاختلاف الذي يجعل منا السعيد والتعيس ويجعل منا اليائس والمتافئل وان تساوت الظروف أو حتى انعكست
العقل
هذا النور الالهي الذي ربما كانت الروح التى نجهلها غذائه ومدده
هذا الخارق العجيب الذي به وحده تختلف الدنيا وتنقلب الأشياء
فمن حزن عميق إلى صفاء وهناء
ومن ألم ووجع إلى راحة واسترخاء
ومن ظلام وجهل إلى علم وإشراق
ومن تخلف إلى تحضر
هو العقل
ذلك المفتاح العجيب الفاتح لكل الأبواب المغلقة
تلك العين التي ترى
ورؤيتها تختلف
تلك الأذن التي تسمع
وسمعها يتباين
فنغمة الناي الحزينة ربما أبهجتها فحلقت في سماوات السعاده
بيدك وحدك تستطيع أن تغير المعاني وتزيح الهموم بمجرد جلسة إليه تقنعه ألا يتعبك
وتظل تحاوره وتناقشه وتجادله لتصل إلى الغاية
وما غايتنا إلا السرور
إلا السعادة وراحة البال
إلا الوصول إلى الأنا والايمان بها
لكن كن حذرا
فأنت قادر لكن هناك فوق قدرتك قدرة أعظم
وأنت عالم لكن فوق كل ذو علم عليم
وأنت غني لكن هناك من لاغنى عنه
الله
فمن هو الله
هو القدرة والعلم والقوة والأمان والأمل والطاقة والحب
كان حقيقة أو لم يكن في رأيك أو زعمك
لكنك لا تستطيع أن تنكر وجوده مهما حاولت
الله موجود فينا أو وجد لأننا لا نستطيع أن نكون بدونه
الله أولا ثم قبس من نورة
عقلك
فماذا هو القلب ؟
هو الماكينة التي تضخ الغذاء لكامل المصنع البديع الجميل المتكامل
فقط ماكينة الضخ ؟
لكن لم يتألم معنا إذا أحسسنا شيئا كريها أو مريرا
لم؟
لازال الانسان لغزا أمام نفسه
لكن فقط حين يفكر في ذلك
ولذلك
فالعقل يريح

27 August 2008

حوار مع صديقي الحالم 3


أصلحوا تلك السفينة ... قبل أن يأتي الطوفان

قلت لصديقي الحالم: إن المثالية التي تنشدها لا يمكن تحقيقها علي أرض الواقع يا صديقي، فكما أن هناك أناس ينشدون الإصلاح والكمال والمثالية، هناك أيضا أناس ينشدون الفساد والفوضى والعشوائية، ودائما ستجد تلك الحرب الدائرة بين المثالية والعشوائية منذ قديم الزمان ...

ألا تذكر قوم لوط حينما قالوا لبعضهم البعض .. "اخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم اناس يتطهرون"
[1].. أنظر لماذا يبغضوهم ولماذا ينكروهم .. لأنهم أرادوا فقط ان يتطهروا ويتخلصوا من الخبائث .. فدائما أبدا سيظل هناك من يريدها مرتع للعشوائية والفجور...

وانظر ايضا عندما قال قوم نوح لبعضهم البعض ... "وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً"
[2]... وبالرغم من ان تلك الآلهه كانت سبباً في ضلالهم .. إلا أنهم أبدا لم يكفوا عن هذا الضلال .. ويريدون ان يستمروا فيه ويصروا عليه .. وينكرون أي دعوة لإخراجهم من دائرة "الظلمات" إلي دائرة "النور"...

ارتسمت علي وجه صديقي ابتسامه سخرية وكأنه يقول لي: بل تنشأ الفوضى والعشوائية بسبب السلبية التي تتمتع بها أنت وأمثالك ، لكنه لم يصرح بهذا...

وقال لي: إذاً لماذا لا أسعى أنا لهذا التغيير ، فلو ان الجميع فكر بنفس الأسلوب ما كان هناك إصلاح أبدا ... فلذلك قررت أن أذهب مع هؤلاء الناس الذين ينادون بالإصلاح وسأركب معهم تلك السفينة التي سنعبر بها إلي "المثالية والكمال" كما فعل نبي الله نوح بمن آمن معه واستوى بسفينته علي جبل "الجودى" بعد أن اهلك الطوفان أهل الكفر والضلال ...

أشفقت عليه وقلت له: يا صديقي لقد صنع نبي الله نوح تلك السفينة بوحي من الله وبعد أن أمضي عمره في قومه منادياً ومبشراً ونذيراًّ ولم يستجيب له إلا قليل ... فهل يمكن لك ولمن معك أن يغيروا ما أفسده المفسدون ... وهل يمكن لكم ان تقيموا تلك المدينة المزعومة .. التي لا يوجد بها إلا كل معاني الحب والخيروالجمال .. دون ان يكون هناك أغراض أو أطماع أو صراعات ؟؟؟!!! ...

وهل سيفسح لكم أبليس وجنوده المجال لإعلاء رايه الإصلاح ، وكان قد اتخذ علي نفسه العهد بغواية جنس بني البشر ؟؟!!!

قال لي صديقي الحالم متحمساً: نعم .. نعم .. لقد سمعت كثيرا عن هؤلاء الناس وعن سفينتهم التي يزعمون بناءها وقد أذاعوا داخل البلدة انهم علي وشك البدء في إنشاء تلك السفينة وأنهم سيبحرون بها عبر بحر الفساد ليصلوا بها إلي شاطيء "المدينة الفاضلة" ، ولقد لحق بهم الكثيرون ممن ينشدون الكمال مثلي ... ولن يجد أبليس وجنوده مكان بين هؤلاء الناس ... وسأذهب معهم أنا أيضاً لكي أحاول .. وإن لم أنجح فليكفيني شرف المحاولة كما يقولون... إني أرى هؤلاء الناس مثل "وجه القمر" المضيء الذي يكون سبباً في هداية البشر في ظلمات البر والبحر ...

قلت له بصوت يملؤه القلق: لن أقف في طريقك يا صديقي ولكنى أخشى عليك وعلي من معك من هؤلاء الناس الذين ينشدون الفوضى والفساد .. واخشى أن يتسلل بينكم من يفرق بينكم ويتسبب في إغراق السفينة قبل إبحارها ...

قال لي صديقي وهو يهم بالإنصراف: فقط أطلب منك دعواتك وأمنياتك ، ولكم تمنيت ان تأتي معي لنعيش سوياً في تلك "المدينة الفاضلة" بعيدا عن الفساد والظلم والقهر .. فأنت تستحق الأفضل..

قلت له بصوت يملؤه الحسره: لا .. لن أترك مكاني .. وسأحاول أن لا أكون سلبيا كما تصفني وسأحاول أن أصلح من نفسي أولاً .. فمن يدري فقد يأتي الطوفان ويهلك الجميع .. وحينها لن ينفعني إلا إيماني ويقيني... إذهب يا صديقي وسأبقي انا هنا أنتظر مصيري المحتوم .. وقد قيل "إذا ما هاجر كل الشرفاء فمن سيبقي في وطننا"
[3] ... بالطبع سيبقي غير الشرفاء .... إذهب أنت وليحفظك الله..أما أنا فسأبقي هنا لعلي أجد لنفسي مكان بين من بقي من الشرفاء ... أتمني لك التوفيق...
**********
غاب صديقي لفترة من الوقت ولكنه كان دائم الإتصال بي ليطلعني علي أخباره وأخبار من معه ممن يدعون الإصلاح والكمال ..
وفي كل مرة من مرات الإتصال أجده منطلقا سعيدا بما يراه من هؤلاء الناس ...
وكيف أنهم يحبون بعضهم البعض...
وكيف أنه وجد نفسه بين هؤلاء الناس...
وكيف أنهم استطاعوا ان ينشأوا بسفينتهم نموذجا مصغرا لتلك المدينة التي يسعون للوصول إليها وأنهم بدأو في تطبيق قواعد المثالية والكمال علي تلك السفينة منذ أول يوم كتحضير للمجتمع الذي سيعيشون فيه في تلك "المدينة الفاضلة" ..
وكيف أنهم اتفقوا وتعاهدوا علي أن لا يكون بينهم ولا منهم من يفسد عليهم سعادتهم بحياتهم الجديدة ...
وكيف أنه وجد نفسه بينهم وكأنه وسط أهله وأخوته بعيدا عن الأطماع والأحقاد التي عصفت بالبلده منذ زمن بعيد وتحولت البلده إلي هذا المستنقع المليء بالطفيليات والحشرات .. ولكن ما أسعده الآن وقد وجد نفسه في داخل الجنة التي وجدت علي الأرض...
وكيف ... وكيف ... وكيف ...

لم أعهد صديقي يتكلم بهذا الحماس من قبل ... فلقد كان سعيدا منطلقاً ، بالغاً بسعادته عنان السماء ...
أما أنا فلقد كان كلامه يثير داخلي الشكوك حول ما كنت أعتقده من قبل وجعلني أتسائل كثيرا ...
هل يمكن فعلا ان يتحقق "حلم الكمال والمثالية" علي هذه الأرض ..
هل يمكن فعلا أن اكون مخطئا فيما أعتقدت من قبل حول إرادة هؤلاء الناس الذين يدعون الإصلاح وانهم استطاعوا فعلا ان يقميموا حصناً في وجه المفسدون المغرضون فلم يستطع إبليس وجنوده أن يخترقوا هذا الحصن ...
يبدو لي وكأني بدأت أقتنع بمبدأ صديقي ويبدو لي أني سألحق به لأجد لنفسي مكانا بين هؤلاء الناس علي تلك السفينة ....
أيام كثيرة كنت أفكر في حال صديقي وفي سعادته ... وكنت أفكر أيضا في إمكانية اللحاق به وكيفية الترتيب لهذا الأمر ... ولكن ...
**********
جائني صديقي في يوم من الأيام تظهر عليه آثار الإعياء والإحباط واليأس ... وبمجرد أن وقف أمامي وجدته سقط مغشياً عليه وكأنه كان يجاهد نفسه للوصول إلي هنا ...

وقبل أن يسقط نظر لي نظره يملؤها الحزن والأسى ... أصابني الفزع من هول هذا الموقف ولم يكن في تفكيري حينها أي شيء سوى إسعاف صديقي وإعادته إلي وعيه ...

حملت صديقي بين ذراعي وهرولت في شوراع البلده صارخا وباكيا ومناديا ...

أغيثوني ... أغيثوني ...

يا إلهي سأفقد صديقي بين ذراعي ولا أستطيع أن أفعل له شيء ...

استمريت في الهرولة والصراخ ولكن لم يجيبني أحد ... يالوقاحة تلك البلده ... إني اكره هذا المكان .. وتمنيت أن لو يأتي الله بالطوفان فيدمر تلك البلده وهؤلاء القوم وينشأ بعدها قوم آخرين ...

بعد أن تعبت من الجري في شوارع تلك البلده توقفت عن الحركه ووضعت صديقي علي الأرض ورفعته إلي صدري محاولا أن أعيد إليه وعيه وأنا أبكي بكاءا شديدا...

ومر أمامي شريط الذكريات الذي كان يجمعني بصديقي .. وكيف كنا نعيش سويا لحظات الفرح ولحظات الحزن .. وكيف كان كلا منا سنداً للآخر .. كيف تخيلنا سوياً شكل الحياه في تلك "المدينة الفاضلة"... حتى جاء ذلك اليوم الذي افترقنا فيه وذهب ناشداً الكمال ليحقق ما تخيلناه من قبل علي أرض الواقع ....

كل هذا مر بخاطري وأنا أحاول جاهدا أن أجعله يفيق ويتحدث إلي ... وبعد لحظات قليلة وانا منهمك في البكاء والصراخ .. وجدت صديقي وقد أفاق قليلا .. وقال لي بصوت خافت .. لا تبكي ...

قلت له : ماذا حدث يا صديقي .. وما الذي جري لك ... وجعلك تصل إلي تلك الحالة المزرية ...

قال لي بصوت خافت : إنها الصراعات التي عصفت بالسفينة قبل أن تبحر ... لقد كنت محقاً .. فلقد استطاع الحاقدين التسلل بينا وأفسدوا ما اتفقنا علي إنجاحه ...

قلت له: وإين دعاة الإصلاح ورعاة المثالية ... ألم يقفوا في وجه تلك الصراعات ويعيدوا الأمور إلي نصابها؟؟ ...

قال لي وكأنه يتذكر ما كان يحدث في تلك السفينة: إن تلك السفينة لم تكن نموذجاً مصغراً لتلك "المدينة الفاضلة" .. بل إنها حقاً إمتداداً لتلك "المدينة الفاجرة" ... بها ما بتلك المدينة من أحقاد وصراعات وشر ولم يستطيع أحد أن يقف أمام تلك الموجات العاتية من الحقد والشر ....

لم يكن "وجه القمر" المضيء الذي رأيته منذ البداية معبرا بما يكفي عن حقيقة سطح ذلك القمر المليء بالفوهات والأحقاف ... لقد خدعني "وجه القمر" ...

والآن لم يعد عندي أمل بتغيير ذلك الوضع بيدي أو بأيدي الناس ... فلابد لتلك البلده من نبي ليعيدهم إلي رشدهم .. ولأن هذا النبي أبداً لن يأتي ... فسوف يأتي أمر الله بهلاك تلك البلده كما هلكت السفينة ... وتلا صديقي بصوت خافت ... "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"
[4]... وسكت صديقي عن الكلام وتوقفت أنفاسه وانا أبكي بكاءا شديدا ... وأصرخ ...

يا ويلي ... لقد مات صديقي .... مات وهو ينشد الإصلاح ... ولكنه لم يجده .. عسى أن يجده في دار أخرى غير تلك الدار .. وأرض أخرى غير تلك الأرض ... فإن ما عند الله خير وأبقي .... وليرحمك الله يا صديقي ...

"تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين"
[5]

ولتتسع الأرض الآن لدعاة الفساد بعد أن رحل عنها من كان مخلصاً لا يريد إلا الإصلاح ما استطاع ... وليتحقق وعد الله بأن تقوم القيامة علي أشر الخلق...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]
سورة النمل ، الآية (56).
[2] سورة نوح، الآيه (23).
[3] من كتاب "وجوه بلا رتوش" للكاتبة الصحفية "مني رجب".
[4] سورة هود، الآية (117).
[5] سورة القصص، الآية (83).

علي عبد المنعم
أبو ظبي – الإمارات 22-05-2008