أمام كوخ خشبي كبير مهجور
ومن بعيد خلتها
فسرنى مرآها الجميل وسط هذه البقعة القاحلة
وحين اقتربت منها لألتمس الظل
حتى سمعتها تئن
ففزعت لصوت انينها
تسائلت عن سره ؟
فعرفت ان لها ماض من الذكريات وحاضر من الأسى
كانت فى زمن بعيد تعيش بين أناس تعرفهم
ولا يعرفونها
كانت تعيش وقتها غربة قاسية
حيث تجد البهجة والفرحة فى العيون حولها
والسعادة ترفرف فى القلوب أمامها
والأولاد يمرحون ويلعبون ويقبلون عليها فى سرور
وكانت تبتسم لهم
وكانت تحزن
حيث تضحك ولا يدري احد أنها باكية حزينة
كان احساسها بانها غريبة وسط هؤلاء يقتلها ويمتص رحيق العمر
تمر عليها فصول العام فلا تعرف أهي فى الربيع أم الخريف
لكنها احيانا كانت تتوهم أن هناك من يشعر بها
فكانت وقتها فقط تشعر انها حية
فتحكي عن آلامها وتشتكي
وكانت تسقط فى بئر من الحزن حينما تلقى شكواها استهانة وسخرية
وهروبا من العون لها فى مأساتها الحتمية
كان لديها احساسا قويا بالظلم والإضطهاد
حيث ترى ان من حقها ان تجد الراعي المحب
ان تلمس الحنان مثل بقية الأشجار
غير ان احساسها بالظلم ما لوث قلبها بكره قط
فملئ قلبها حب لكل الناس
حتى لمن حرموها حقها
يلتمس قلبها الطيب لهم اعذارا
..
صغيرة كانت
وكبيرة أصبحت
وفى الحالتين الحزن باق لا يزول
والكل حولها سعيد يعيش وعلى شفتيه ابتسامة الأمل
فلا تحقد عليهم بل تتمنى وتتسائل؟
حكت لى عن ذلك الفلاح الذي غرسها فى هذا المكان
وكيف كان يحبها ويرعاها ويحنو عليها حسبما تحكي لها الأرض
وحكت لى كيف أصبح بعدما أشرقت لها الأوراق وتفرعت لها فروع
وحكت لى عن الأرض كيف كانت لا تبخل عليها بكل خيراتها
وكيف كانت ترعاها رعاية أم لأبنها الرضيع
ثم كيف تركت بعد ذلك للأقدار مسئولية رعايتها
فحينا تجد بعض الماء يسقط عفوا من طفل يعبث تحتها فتشكره على عفويته حيث انعمت عليها بفضل
وحينا تجد من يسقيها ويرتب اوراقها ثم يغيب بعدها دون عودة
فيضيف للحرمان حزن الحنين والشوق وعذاب التمنى
وتوقفت عن الكلام حيث خنقها البكاء
وسألتنى بصوت يمتزج فيه الحزن بخليط من الدخان الخانق الذي يسمم المكان
هل ترى فى ما تمنيت ياصديقي ماليس من حقي ككائنة حية؟
فتقبلت سؤالها بحيرة القتنى فى بحر الشتات
اذا ماقولت انه حقك ياعزيزتى فسأحمل نفسي مسئولية القيام بهذا الواجب ولو من بابا الرحمة
وإن قلت لا انه كثير عليك فساقتلك للأبد وأظهر أمامك منافق خادع حيث تأثري بكلامك واضح فى عيونى بكاء قلب طيب
فهربت من سؤالها بسؤال
هونى عليك يا عزيزتى وأخبرينى أين ذهب ساكنو الكوخ
وكيف حالك بعدهم ؟
فعلمت من نظرتها انها فهمت ما قصدت وتغاضت عنه حزينة وتكلمت حتى لا تكلفنى الحرج فلمست كم هي نقية كالفجر
قالت : كنت أعيش بينهم غريبة الا انى لا اخفي عليك
كنت آنس بوجودهم وكنت اعيش على أمل ان تتغير الأحوال وإن عذبنى الإنتظار
والآن فقد باعد بيننا الزمان فأضاف لي هم آخر
وبت أشعر بوحشة كما وحشة القبور المظلمة
ففى النهار يمر علي بشر كثيرون بينهم من يضحك وبينهم من يسخر وبينهم من يعبث وبينهم من هو قريب الشبه منى الا انهم جميعا يمرون
نعم يمرون وفقط
وفى الليل
آآآآآآآآآآه يا صديقي من كآبته حيث الوحدة الموحشة والظلام الكئيب ونباح الكلاب وخشخشة الحشرات الزاحفة على حشيش الأرض ونقيق الضفادع يصرخ من البركة القريبة
أنى الآن مشتاقة اليهم
نعم اشتاق اليهم
فنحن احيانا نحن الى العذاب هربا من عذاب اكبر
رغم الكذب وادعاء الحب الا ان الوهم قد يكون مسكنا لآلامنا لو صدقناه
ولو عدت آلاف المرات لجاهدت على أن اخدع نفسي واعيش الوهم من جديد
صدقنى انى افتقدهم افتقد اصواتا كانت تؤنسنى ليلا
ووجوها كانت تسكن قلبي ولو بسبب القرب وطول العشرة
ليتهم يعودو
وليتنى أموت
فقد غابت الشمس
__________
الملاح التائة
الدوحة 31/10/2007