27 October 2007

الطريق ... 7




لم أكن أتوقع أن يكون إتخاذ قرار بالموافقة أو الرفض لشاب يتقدم لفتاة بهذه الصعوبة حتى رأيت شقيقتي الكبيرة فى حالة يرثى لها من البكاء والضيق والحيرة و التوتر العصبي لمجرد تقدم شاب لخطبتها ! ألهذة الدرجة يصبح القرار صعبا ؟

من وجهة نظري وقتها رأيت الأمر أبسط بكثير من أن يكلف كل هذا العناء فهناك تطلعات لكل فتاة فى الشاب التى تتمنى أن ترتبط به والأمر فقط يقتضى التحقق من توافرها فيه من عدمه وعلي ذلك يكون القرار بالقبول أو الرفض
لكن كيف لها أن تراك كما أنت ؟

ونحن تربينا على عدم الإختلاط وعلى عدم النقاش والحوار فى الأصل ان ذلك يشكل أزمة للرجل.!

فكيف حال البنت ؟ التى يترك لها أمر اتخاذ قرار مصيري هي غير مؤهلة له فليس لديها القدرة على إدارة حوار مع شاب تستطيع من خلاله أن تلمس فيه مميزاته وتبصر عيوبه وتقف على خططه لمستقبله ومستقبلها معه ... كيف؟؟؟
لا حل إلا أن تتأكد من توافر القبول ثم تسأل غيرها ممن هم قريبون منه عنه ثم تستخير الله فى الأمر وهي باكية حتى تصل لمرحلة من التشبع فتتخذ القرار كيفما اتفق وكذلك تفعل معظم الفتيات وكذلك فعلت شقيقتي
وفي الرابع من أغسطس سنة 2001 كنا على موعد مع الفرحة والبهجه فى حفل زفافها الجميل وعيني والدي تنبئ بسعادة الرضى وقلب أمي يتمتم بالدعاء ويشفق من الفراق لحبيبتها وعروسها الجميل وأنا بين هؤلاء سعيد بالحدث أفكر فى توابعه من غيابها عن بيتنا وكيف سنعتاده ؟ فكنت أشغل نفسي بالإهتمام بالضيوف والترحيب بهم حتى لا أنساق وراء تفكيري هذا الى أن إنتهت الليلة بسلام وذهبت حبيبتي لبيتها الجديد وعدنا بدونها وفى عصر اليوم التالى ذهبنا لنبارك ونهنئ فلم أدري إلا وأنا أحتضنها بشوق غائب منذ سنين وكادت عيوني تدمع لولا ثقافة متأصلة لدينا أن الدموع للمرأة فقط مع الأسف.
بدأت الدراسة بالجامعة وعلى بوابة كلية التجارة جامعة الزقازيق كانت الخطوة الأولى لدراستى الجامعية وكالعاده كان إستقبالى لها لا يحمل أية إثارة لدوافعي رغم كلمات والدي لي بأن التفوق فى الكلية يعني أشياء عظيمة تمنحك مستقبلا راقيا ومكانة تحترم من الجميع لكن كالعاده ما قدرت النصيحة
العدد الغير طبيعي لطلاب كلية التجارة جعلني أنفر من حضور المحاضرات لميلى للهدوء ولأن الضجيج يثير أعصابي أضف الى ذلك رتابة وملل أسلوب بعض أعضاء هيئة التدريس والذي يعتمدون فيه على السرد والرص دون استقبال ردود أفعال أو مناقشة أو محاولات عملية وتمثيلية للشرح والتوضيح للمقررات فكرهت بسبب بعضهم موادا بعينها مثل المحاسبة وأحببت بسبب آخرين أخرى مثل إدارة الأعمال والإقتصاد والإحصاء وكنت أجد متعتى فى حضور محاضرات إدارة الأعمال والسلوكية والرياضيات ولكن بالطبع لم أهتم بالمزاكرة المتتابعه وتركت الأمر لنهاية التيرم ومع قرب الإمتحانات إكتشفت أنى أنقى من الصحيفة البيضاء وكدت أستكين لليأس وأودع العمل لكن خفت من التوابع فاجتهدت فى تحصيل كم ضخم من المعلومات المنسية والمفقوده فمر إستهتاري برسوبي في مادة الإقتصاد ، تعاملت مع الأمر فى سرية تامة فأنا فى غنى عن كلمات التأنيب القاسية التى تنتظر أمثالى من المقصرين المستهترين من السيد الوالد فارحت نفسي وداريت عن الجميع وحتى الآن لم يعلم به.
في الدراسة والتعامل معها كان التحصيل والعمل الجدي يبدأ ويستمر لمدة شهر فقط كل تيرم وفيه ولله الحمد كانت النتيجة طيبة ومرضية وهكذا طوال 4 سنوات والختام تقدير عام جيد
فى امتحانات التيرم الثاني بالسنة الأولى تحديدا فى 21 مايو 2002 ولدت الحبيبة مريم وبمولدها ولدت إبتسامة وفرحة كان هذا وقتها وكان أجمل صباح هو الذى استيقظ فيه على وجهها الملائكي الجميل وإبتسامة ثغرها العنقودي الطيب صباح الحب والبرائة وإشراقة الأمل ، أضافت مريم لبيتنا بهجة وفرحة غير عاديه لمسها الجميع وسعدوا بها وترجم كل منا حبه لتلك الصغيرة على طريقته وكانت طريقتي عناية وإهتماما بحياتها بشكل عام ملابسها ونظافتها وجمال مظهرها وراحتها فكنت أكره أن أراها فى ضيق من أى شئ وتسعدني ضحكاتها وجديد حركاتها التى تتعلمها يوما بعد يوم متعة المشاهدة لحياة الطفولة البريئة النقية وبداية خطوات طفلة نحو حياة جديدة
صورتها وهي فى مهدها نائمة فى سلام وهدوء ملائكي أجمل وأنقى مايمكن أن تشاهده فى يومك بل فى عمرك .
من الجميل أن تعيش حالة من الحب الحقيقي الذي دليله اهتمام وحنان وشوق للقاء وخوف من فراق وكلام طيب ينسيك ماقد تراه من الحياة ومن البشر من آلام ومتاعب ولي أن أدعي أننى ما نعمت بذلك مطلقا على الرغم من أنى محاط بكل الناس الخليق بهم أن يمنحوني هذا الحب والحنان كواجب عليهم أو كطبيعة فطرية فيهم لكن الإحساس بالشئ مفقود ولذلك فليس كافيا أن تحب أحدا .. إجعلة يشعر بذلك
كان ما قيل سببا في بداية رحلة من البحث عن الحب الحقيقي الذى قد يعوض زمنا من الجفاف البغيض ومع البحث تلازم طبع الخوف والخجل وانعدام الثقة فكان الإخفاق وكان ادعاء الفضيلة حلا بسيطا وكان تعذيب النفس عقابا بدأ بالتدخين الذي بدأت إعتياده مع أول يوم لى فى الكلية وما إستطعت التخلص منه حتى الآن وأذكر أننى ما إنقطعت يوما واحدا عن التدخين رغم مرور أيام كنت فيها مريضا بالتهاب الحنجره الذي يعاودنى كل عام ورغم ذلك كنت أدخن ولو سيجارة واحده فى اليوم
وما التدخين إلا تعبيرا غير مباشر عن الرفض للحياه وإنتحار ليس صريح رغبة فى الخلاص صادقة لإحساسك أنك لا تستحق أن تعيش اما لأن الحياة كريهه وإما لأنك أنت تكره ذاتك ضائق بها
فمؤلم أن تضيق بالناس لكن فظيع أن تضيق بنفسك.
بداية عشق
وفى أحد الأيام عدت من الكلية عندي احساس بالوحدة والغربه زادت نسبتة عن الحد الطبيعي الذي يطاق
دخلت مكتبة والدي محاولا أن أتخلص من ضيقي بالتسلية فى تفقد عناوين الكتب وترتيبها فوقعت عيني على عنوان جذبني (نائب عزرائيل) يوسف السباعي فتحت الروايه وبدأ بها عشقي لعالم الكتب وخاصة الروايات التى تنقلك لتعيش فى حياة أبطالها بكل تفاصيلها فتعرف دوافع الأفكار وأسباب الأحزان والأفراح لأناس من صنع عقل وقلب الأديب
انتقلت من نائب عزرائيل التى انهيتها فى يومين الى رواية (إني راحلة) رواية دسمة العاطفه فاضت لها أحاسيس القلب وأشعلت في الوجدان حرارة مكبوتة وبين تنهيدة وأخرى تذوب بقايا النفس وتتمدد الأحلام بلا قيود ومن الروايه العاطفيه الى روايات العبقري محفوظ صاحب النزعة الفلسفيه العميقه والتحليل النفسي الخطير للشخصيات وتأثرهم بالأحداث الخاصه والعامه فكانت رواياته (بداية ونهايه ، ثرثرة فوق النيل ، الثلاثيه ، الشحاذ ،،، ) من أجمل ماقرأت
لم تنحصر قراءاتى فقط على الروايه فكان لدواوين الشعر وأيضا للكتب السياسيه والإجتماعيه فى شكل مقالات والعامه نصيب يسير
لا أدعى أننى فى تلك الفتره قرأت الكثير لكنى لا أنكر أن ما قرأت رغم قلته غير فى طريقة تفكيري ونظرتى للدنيا ورؤيتى للأشياء والأحداث .
والأزمة الحقيقية التى يقع فيها كل من له عقل يعمل باستمرار وينظر ويبصر ويفكر ويتدبر كما وصانا الله تعالى فى آيات كثيرة من القرآن الكريم أننا نفعل ذلك ونحن خارجين عن الدائرة التى تقتضى قاعدة راسخة من الإيمان بالمسلمات التى تحول بينك وبين التدمير الناتج عن التفكير خارج هذه الدائرة فلا تفكر فى شئ إلا اذا تسلحت بقاعدة متينة من الإيمان بالله والرضى بقضائه وقدره والتسليم بحكمتة سبحانه فى تصريف أمور الكون بما يحوي هنا فقط ستصبح محصنا ضد الدمار

2 comments:

Anonymous said...

السلام عليكم
أول فقرة كنت أنا اللى بتكلم فيها تعبيراتك وإحساسك صحيحين لحد كبير وآخر فقره كمان التفكير والتدبر آآآآآه ياريتنا أتخلقنا من غير مخ

الملاح التائه said...

انا بجد حاسس بارتياح دلوقتى لأن الكلام ده لما تصدق علي صحته وتتفق معايا فيه أختى فى الله واللى عارفه كويس انا باتكلم بناء على ايه يبقى مش هاقول اكتر من الحمد لله
بس هادعى ربنا ان الخطأ والسلبيه تختفى من حياتنا أو على الأقل نعمل اللى علينا ونحاول بنيه صادقه نغيره
.
أما آخر فقرة يا أطيب أخت
فدى بتقول ان انا مش بعاني لوحدي
فيه كتير زيي
نوع من المشاركه ولو كانت فى الهم والمعاناه
تحياتى لأمنيتك الجميله
ودمتى بكل خير